الفتنة

اما بعد, يا ايها العباد : ان اساس واعظم ما جذب شعوب العالم الى الاسلام هو اقامة العدل بين الشعوب وبين افراد المجتمع وبين الناس كبيرهم وصغيرهم وبين غنيهم وفقيرهم , فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يطفئ نار الفتن التي كانت مشتعلة , وقد جعل الله رسالته المحمدية والخاتمة لكل اديان العالم بقوله ” وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ” اي لكل العوالم ليس لعالم الانس وليس لعالم الجن وليس لعالم الفضاء, بل لكل العوالم ما علمنا منها ومالم نعلم فانظر الى ربك تبارك وتعالى كيف يقول تارة ” رب المشرق والمغرب ” وتارة يقول ” رب المشارق والمغارب ” وتارة ” رب المشرقين والمغربين “فكل المشارق والمغارب ارسل اليها رسول الله رحمه , فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء بميزان العدالة والمواساه واقام ذلك بين اصحابه الكرام وامره الله عز وجل بثلالثة اوامر هي له ولاتباعه من بعده , ولو اخذ اتباعه من بعده بهذه الثلاثة الاوامر لكان الوضع اليوم على احسن حال , ولكننا لم نمتثل امر الله تبارك وتعالى ” خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ” , ما معنى خذ العفو : عندما يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نزلت هذه الآية على رسول الله سأل المصطفى جبريل قال : ما العفو ؟ قال اسأل الله عز وجل اولا فصعد سيدنا جبريل عليه السلام يسأل ربه جل جلاله وتعالى في علاه عن معنى قوله ” خذ العفو ” فما هي الا لحظات ونزل جبريل عليه السلام برسالة من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولاتباعه من بعده يقول جبريل عليه السلام : يا محمد ان الله يأمرك , يقول لك : بأن تعفواعمن ظلمك وان تصل من قطعك وان تعطي من حرمك , تلك اخلاق الابطال واخلاق الاقوياء, ولو ان كل مخلوق مظلوم اخذ حقه بيده لانتشر الفساد في الارض ولطغت فوضى في هذه الارض ولذلك الله تبارك وتعالى سمى نفسه الصبور وكم من عبد قد ظلم ربه , الذي يعبد الاصنام اليس كما قال صلى الله عليه وسلم ” من اعظم الظلم ان تعبد غير الله وان تتخذه من دونه ندا وتدعوه وتطلب الرزق منه , وكان ربنا جل جلاله في الحديث القدسي يتعجب من خلقه قال ” اخلق ويعبد غيري , ارزق ويشكر غيري ” , يا ايها الباد ان النبي صلى الله عليه وسلم داء بهذه الاخلاق الكريمة وجاء باول مبدأ : اطفاء الفتن التي يثيرها اعداء الاسلام ولا يزالون وقد حذر العرب فضلا عن المسلمين وخصهم بقوله صلى الله عليه وسلم ” ويل للرب من شر قد اقترب ايقظوا صويحبات الحجر فيا ربَ كاسية فالدنيا عارية يوم القيامة ” , ليس لهم مجال الا ان يثيروا النزعات والحزبيات والتغريقات بين ابناء الشعوب وبين المسلمين , ان النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى يثرب كما تسمى في الجاهلية , وكان اليهود قد طردوهم الروم من احدى بلاد العالم وجاءوا الى المدينة وسكنوها, جاءوا اليها فقراء وليس معهم مال وليس معهم ولا شئ واشتغلوا بالزراعة والتجارة فنمت تجارتهم وكثرت زروعهم وصاروا اول من اظهر راية الربا هم , فاشتد فقر المسلمين من الاوس والخزرج الذين كانوا يسكنون المدينة , تصوروا يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة وقد اخرجه قومه وقريش لم تكتفي باخراج المسلمين من الصحابه الى المدينة او يخرجوهم من مكة فحسب , بل منعوهم من ان ياخذوا اموالهم , تصور ان تكون عائشا في وطنك هانئا آمنا مسربلا بسربال العافية فجأة يهجم عليك الطغاة من هؤلاء من ابناء جنسك الذين كنت تأكل معهم ويقول لك اخرج ولا تأخذ معك مالا , هكذا فعل برسول الله وصحبه لكن خرجوا ولم يأخذوا اموالهم , ابتغاء مرضاة الله عز وجل , هجرة الى الله ورسوله , فعندما خرج النبي وصحبه فوجدوا المسلمين من في المدينة لم يفرقوا عن اخوانهم في مكة الا قليلا فـأكثرهم كانوا على وصف الفقر , بسبب ان اليهود هم اظهروا الربا والعياذ بالله تبارك وتعالى ,فإختل النظام فالمجتمع وصارت طبقات , طبقة ذات غناء فاحش وهم اليهود واصحاب المزارع في خيبر وافضل الرطب والتمور , بينما تجد المسلمون يتضاوعون جوعا , ويتقاسمون التمرة بالنصف ويقولون الحمد لله الذي اطعمنا هذا الطعام ” يشكرون الله ” , ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ امر الصحابة من المؤمنين من اصحاب الثروات ان يعينوا اخوانهم من المسلمين ولم يجبرهم على ذلك , بل دعاهم و وعدهم بالخير والثواب من عند الله تبارك وتعالى لان لا يستطيع الانسان ان يتنازل عن احب الاشياء اليه الا اذا كان هناك شيئ احب اليه وهو الله ورسوله , فلا يبالي ببذل المال وال يبالي بالتوسع على اخوانه ولكن اذا جاءت النفوس ومرضت بحب الجاه والمال والدنيا فهنا جاء الجشع وجاء الطمع وجاء الظلم وحب التسلط , ولذلكم النبي صلى الله عليه وسلم ترك اصحاب الغناء الفاحش من اليهود ولكن اخذ عليهم عهدا انهم يكفوا عن التعامل بالربا بينهم وبين المسلمين وان لا يؤذوا مسلما ولا يؤذيهم مسلم , ولكنهم نقضوا العهد فاول يهود نقضوا عهدهم يهود بني قينقاع فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقاتلهم , فعندما رأو انهم هزموا شفع فيهم عبدالله ابن ابي سلول رأس المنافقين حليفهم ولم يقل لهم انت منافق , بل قبل شفاعتهم فيهم , لان اساس بعثته العدل والمساواة واطفاء نار الفتن وحقن الدماء قدر المستطاع , فاقبل شفاعته فيهم وهم يهود وشفيعهم منافق , ثم جاء يهود بني نضير ونقضوا العهد كذلك فحاصرهم صلى الله عليه وسلم فلما احسوا بالهزيمة قالو يا محمد اتركنا ؟ واترك اموالنا ؟ واترك دمائنا ؟ فتركهم حقنا للدماء , ثم جاء يهود بني قريضة ونقضوا العهد كذلك فحاصرهم صلى الله عليه وسلم فأعلنوا الحرب على رسول الله فطرهم الى خيبر وحوصروا في خيبر ونصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في خيبر , هذا نبيكم , و النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر الامة من ان تمشي وراء الفتن واثارة النزعات بين الشعوب وبين المسلمين خاصة ونبههم على ان المسلم لابد ان يكون مطيعا لله ورسوله على ما جاء به القرأن والسنة النبوية , وان ظلم الظالم مهما كان نوعه او وصفه فإن الله عز وجل قد حكم في القرآن حكما وعزة الله جل جلاله لن يتغير ذلك الحكم , ما هو ذلك الحكم ؟ يقول الله عز وجل في سورة الاعراف ” وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ” اي ان الظالم لا يمكن ان يزول ظلمه الا بأن يأتي ظالما مثله او اكبر منه والمسلم عليه ان يتصبر بصبر الله عز وجل وان يتصبر بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ولا نكون كما خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نؤخذ على حين غرة عندما يحمل المسلم السيف على اخيه المسلم عند ذلك يدخل العدو فيهلك الجميع والعياذ بالله , اسأل الله ان يرزقنا واياكم الفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الخطبة الثانية :

يا عباد الله : ما من مسلم تحدث له اي ضائقة او اي ظلم او اي كربة او اي هم او اي مصيبة فإعلم انها حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فانظر ما يحدث فالعالم للمسلمين , ماذا نجد ؟ من المسلمين من يحاصر بأي نوع من انواع الحصار , نجد ان رسول الله قد حوصر مرتين , حوصر في شعب بني هاشم سنوات طوال وحوصر في غزوة الاحزاب , ومن الذي حاصره ؟ قومه وعشيرته ومن كان يعيش معه , نجد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وصحابته ولم يكن معهم اي درهم , ترك ماله وطعامه وبيوته وكل شئ , نجد كذلك من المسلمين من اخذت اموالهم منهم وفيهم فتأسو ا برسول الله , واخذوا بخلق رسول الله وقولو ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” 3 مرات ” فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ولم يمسسهم سوء ” نجد من اصيب من المسلمين ولو بالسحر , نجد رسول الله قد سحره يهودي , والنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل جبريل عليه السلام بالمعوذتين وقرأهما و رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانفك السحر , هذا نبيكم محمد , انتم تقولون ” رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد نبيا ورسولا , فخذوا بخلقه وخذوا بصفته وما جذب العالم الا سمو اخلاقه وتحقيق معنى قول الله تعالى ” وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ” وتحقيق قول الله تعالى ” وانك لعلى خلق عظيم ” صلى الله عليه وسلم , ولذلك نجد ان صحابته اذوا وذبحوا وقتلوا اما اعينهم وامام عيني رسول الله , وقد قتل والدي عمار ابن ياسر فماذا قال ؟ صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة , لان الله قال ” ان الله يدافع عن الذين آمنوا ” والمسلم بوسعه ان ينتقم لنفسه وان يأخذ حقه بيده لكن المسلم لا يأخذ حقه بيده بل يوكل حقه الى الله ” ان الله يدافع عن الذين آمنوا ” واذا سلمت الامر الى الله رجع اليك حقك واعطيت ثوابا من عند الله عظيما , وتشبهت بأخلاق الانبياء الاكابر وصرت في مرتبة الصديقين عند الله تبارك وتعالى ” فمن عفا واصلح فاجره على الله ” ولقد قال اهل العلم : اذا دارت دائرة الزمان وكما قل تعالى ” وتلك الايام نداولها بين الناس وكما قال صلى الله عليه وسلم ” بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ” فإن احداث السيرة النبوية حدثت ستعود في آخر الزمان والمتبصر من المسلمين اليوم عندما ينظر الى الاحداث بأعين منوره , بآذان تستمع الى القرآن و وحي السماء عند ذلك تعرف مالذي يريده الله , وما الذي سيحدث , لا ان تستمع لمن لا يعرف شيئا عن الله ” سماعون للكذب اكلون للسحت ” نسأل الله عز وجل ان يجعل آذاننا تسمع الوحي من الله والوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .