كيف يكون رجب ممهداً لرمضان؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نهنئكم ونهنئ أنفسنا والأمة الإسلامية بهلال شهر رجب الأكرم والمُعظم عند الله سبحانه وتعالى.

كيف يكون رجب ممهداً لرمضان؟

المقصود في هذه المحاضرة أن نركز قليلاً.. أن نعمل بتركيز.. الطالب في أول العام الدراسي لا يكون مُركزاً كثيراً في بعض الدروس، لكن إذا ما دنا وقت الاختبارات بدأ يركز في المواد وفي الشرح.. حتى إذا ما دخل وقت الاختبارات يكون متهيئاً وجاهزاً.. كذلك هذا الشهر جعله الله عز و جلّ في منتصف السنة تقريباً، وجعل له ميزة يتفرد بها عن إخوانه من الأشهر الحرم (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم)، فتلك أشهر متواليات وشهر رجب هو شهر فرد أي متفرد عنهم.. يقول أهل العلم أن من خصوصيات شهر رجب أنه تُعتق فيه الرقاب من النار، لذلك يستحب أن يشتغل الإنسان فيه بالإستغفار.. فإذا كان هذا الشهر تُعتق فيه الرقاب، فمعناه أنه لا تعتق الرقاب في شهر ليس فيه سرّ! هناك شيء.. هناك دلالة.. هناك عطاء خبأه الله عز و جلّ في طيّات هذا الشهر الكريم.. فهو ممهدٌ لشهر رمضان ويسبق شهر شعبان..

نود أن ننبهكم إلى أنّ هذا الشهر سيمضي سريعاً، وشهر شعبان سيمضي أسرع منه، وشهر رمضان سيمضي أسرع من الإثنين! وهذا من المُلاحظ جداً.. سبحان الله.. لذلك لا تدع هذه الأشهر الثلاثة تمضي عليك سريعةً وأنت في بطءٍ في الإقبال على الله سبحانه وتعالى.

الناظر منكم إلى شهر رجب المبارك يجد فيه مميزات يستطيع من خلالها معرفة ما المطلوب منه أن يعمله في هذا الشهر.

· الميزة الأولى: أنه شهر مُحرّم،

· الميزة الثانية: أن الله عز و جلّ خصّه بأعظم معجزة أسرّت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تكن ليلة الإسراء والمعراج كغيرها من الليالي، فقد سُرّ سروره صلى الله عليه وسلم لأنه رأى مكانة الأمة عند الله سبحانه وتعالى.. إذاً هذه ميزة أخرى،

· الميزة الثالثة: أنه فُرضت فيه الصلاة، وهي عمود الدين. وعندما يفرض أمر عظيم فإنه لا يُفرض في وقتٍ ليس فيه سر، أليس كذلك؟ إذاً لشهر رجب سرّ في نزول فرض الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج الكائنة في آخره،

· الميزة الرابعة: وهو أنه مقدم كما ذكرت على شهر رمضان.

كما قلنا إنّ شهر رجب شهرٌ مُحرّم مفرد، والله سبحانه تعالى لا يخلق شيئاً عبثاً.. فمعنى ذلك أن هناك تفرد في عطاء الله سبحانه وتعالى للمقبلين عليه في شهر رجب. كذلك عندما قال الله عز و جلّ : (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ماذا قال بعد ذلك؟ (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْفالمطلوب في شهر رجب: أن لا تظلم نفسك! سبحان الله.. وظلم النفس يكون بشيئين اثنين:

الشيء الأول: لا تظلم نفسك بأن توقعها في المهالك.. في المعاصي،

فالمعصية في شهر رجب عظيمة والطاعة فيه عظيمة، هذا ما يُفسّر من قوله: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).. فتوقف عن المعصية فوراً بأن تنو أن لا تعص الله في رجب ولا بعد رجب إلى قيام الساعة، وتب عن ذنب عملته سابقاً.. فبالتالي إذا أنت لم تنو أن تعصِ الله عز و جلّ مع أول ليلة في رجب، وتبت عن معصية عملتها من قبل، تكون بذلك قد استفتحت باب ربك سبحانه وتعالى في أن يقبل توبتك.

ملاحظة: يتوب أكثر الناس عندما يأتي رمضان، لكن أقول لك المفروض أن تتوب من زمان! فتجديد التوبة يكون في شهر رجب، لماذا؟ حتى إذا ما دخل عليك رمضان تكون أنت قد دخلت في باب التوبة وترقيت فيه من تائب إلى تواب ثم إلى أواب، فأول ما يدخل عليك رمضان تكون بالأصل تائباً وليس ستتوب، وبهذا تدخل في سلسلة الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم، قال سبحانه وتعالى: ((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ ..)) اللهم اجعلنا منهم.. ابتدأ بــ “التائبون”، والتائب اسم فاعل أي طول وقته وهو تائب، شغال في التوبة. نريد أن تظهر فيك في شهر رجب لوائح صدق التوبة مع الله عز و جلّ. فهو شهر التوبة وشهر الاستغفار، وقد استحب العلماء ترديد هذا الاستغفار: ”رب اغفر لي وارحمني وتب عليّ” 70 مرة صباحاً بعد الفجر، ومساءً بعد صلاة العشاء، ترفع يديك، إلى أن تنتهي من السبعين.

وهذا دعاء واستغفار.. رب اغفر لي: دعاء، وارحمني: بترك المعصية، وتب عليّ: في الثبات على طاعتك. فإذا استجاب الله لك في هذه الثلاثة تجلى بالمغفرة باسمه الغفار، وبالرحمن، وبالتواب. ركّز عندما تدعو..

شهر رجب شهر البذر وشعبان شهر السقيا ورمضان شهر الحصاد.. ويقولون أن شهر رجب شهر تهبّ فيه الرياح، وشهر شعبان يجتمع فيه الغيْم، وشهر رمضان تنزل فيه الأمطار..

والرياح إذا هبّت لها وظيفتان:

1. إما لواقح حتى تثمر النخيل بذلك التلقيح،

2. أو (يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ)..

الرحمة قادمة ولكنها لم تأت بعد، إذاً ما هذه الرياح؟ هي مبشرات! والخير قادم.. معناه: استعد!.. إذا هبّت ريح فهي تبشر أن هناك خير كبير قادم، وإذا كانت الريح باردة، وخفيفة تُسمى نسمات، وإذا كانت فيها رائحة طيبة تُسمى نفحات، وكلا النسمات والنفحات إنما تهبّان من تحت عرش الرحمن ولا يشمها مزكوم القلب، فمن كان قلبه صافياً يشمّها كما شمّها أحد الصحابة في غزوة بدر: “إني لأجد رائحة الجنة” وفي أُحُد كذلك، ليس الأنف الذي يشمّ هنا وإنما القلب! الله يهب علينا تلك النسمات.

فالرياح تُرسل في رجب وتحرك السحب إلى المكان الذي يتعرض لها، فإذا ما استعددت أنت قلبياً لتلك الرياح ونظفت قلبك من أمراضه بالتوبة، أرسل الله الرياح مبشراتٍ وتدفع الغيوم المتشبعة بالمطر فيجتمع الغيم في شعبان، تراه ولكنه لم يُمطر، فإذا ما قيل لك هلّ هلال رمضان فُتحت أبواب الجنة وهطل المطر.

الشيء الثاني: لا تظلم نفسك بأن تحرمها من العطايا ومن الخير وذلك بالتقصير في عبادة من عبادات، سواء كانت فرضاً أو تكاسل عن القيام بسنة من السنن، فالأول حرمها من ثواب الله، والثاني حرمها من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفسك شواقة تواقة لأن يسكن فيها حبان:حب الله ورسوله.. حب الله ورسوله.. (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ)..

المطلوب منك في رجب القيام بأعمال صالحة أنت تعملها أصلاً ولكنها تحتاج إلى تركيز، كما ذكرنا لأنه قبل الاختبارات يحتاج الطالب أن يركز بخلاف ما يكون عليه الحال في أول العام..

القسم الأول: أعمال الجوارح:

العمل الأول: الصلاة: فأول شيء تحافظ عليه الصلاة لأنها فُرضت في هذا الشهر.. كيف تحافظ على صلاتك؟ بدايةً، الذي لا يصلي نقول له: صلّ.. أما المحافظون على صلاتهم نقول لهم زيدوا محافظة عليها بهذا العرض المغري.. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الترمذي وغيره: ((من صلى أربعين يوماً لا تفوته تكبيرة الاحرام مع الإمام كُتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق)) فإذا أردت أن تكون فعلاً مميزاً في رجب، مافي شيء اسمه صعب، لماذا؟ أي توجيه من الله ورسوله قل لبيك! لبيك!

· انظر عندما ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن سيدنا موسى عليه السلام وبني اسرائيل، كانت الخطابات الربّانية الموجهة لسيدنا موسى في ظاهرها غريبة وعجيبة، (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)، (أَلْقِهَا يَا مُوسَى)،( خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى)، (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى*لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى*اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ).. كل شيء افعل افعل، هل اعترض؟اخلع نعليك خلعها، لم يقل لماذا؟ ألق عصاك ألقاها، خذها أخذها.. نريدك مثل سيدنا موسى، افعل لبيك! لا تقل صعب أو لماذا.. لأنك إذا قلت لماذا أو غيره لم تُوفق للعمل به، سمعنا وأطعنا.. هو سيعينك،

· أما بنو اسرائيل، انظر إلى قلة الأدب (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) هل نحن ذبّاحين؟ (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ*قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ....) مادام من عند ربك، ما هي؟ وبدأ الحوار (مَا لَوْنُهَا) (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا).. آخر شيء (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ).. فلا تكن مثلهم.. بعض الناس ينتهج منهج بني اسرائيل.. لماذا؟ وما الثواب؟ ولماذا الآن؟ صعب.. لا أستطيع عندي دوام.. ما هذا؟ إذا عارضت مع أول الأمر لم تُوفق والعياذ بالله.. (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).. إذا خوطبت بأي توجيه ربانيّ نبويّ فاعلم أنك تستطيع القيام به لأنه لا يكلفك إلا ما تسعه نفسك، إذا لا يسع نفسك لا يمكن أن يكلفك.. ولكن هو يختبرك، ما وقع هذا التكليف في قلبك؟ فانتهج منهج كليم الله موسى، اخلع وارمِ وخذ ولا تقل لماذا!

فإذا أردت أن تكون فعلاً مميزاً في رجب، فحافظ على تكبيرة الإحرام مع الإمام.. وضع ذلك في بالك.. فعندما تضعه في بالك ربك هو الذي سيسهل لك، (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) الله يوفقنا وإياكم إن شاء الله تعالى.. إذا فاتتك لا تيأس.. لأن المقصود أن يراك ربك مجتهداً .. والمقصود أنك تتحسر على ما فاتك وأنك تجتهد في الإقبال على الله، غيرك لا يتحسر على هذا الشيء.. نريدك أن تتحسر على فوات تكبيرة الإحرام مع الإمام، بالأمس كنت تتحسر على فوات الجماعة واليوم تتحسر على فوات تكبيرة الإحرام مع الإمام.. وهذا تميز حتى تدخل في صفوف المقربين. فهل سمعت وأطعت؟

كذلك مما تحافظ عليه من الصلاة النوافل، فالنافلة التي كنت مقصراً فيها الزم نفسك بها، ولو بأقل عدد منها.. أنت فقط انوِ، مشكلة الناس أنهم لا ينوون فيظل الحال على ما هو عليه..

ومن نوافل الصلاة في رجب تحديداً التي يحسن أن تحافظ عليها فهي نافلة قيام الليل.. الذي تريد أن تعمله في رمضان اعمله الآن ولو مخففاً، اجعل من رجب تجربة بسيطة.. لا تقل عندما سياتي رمضان سأقوم الليل، بل ابدأ الآن!

العمل الثاني: الصوم للصوم في الأشهر الحُرُم له خصوصية، صُم عن مألوفاتك وأمسك شهواتك وعوّد نفسك على الصيام قبل دخول رمضان، اجعل صيامك في رجب مثلاً صيام العوام، وفي شعبان صيام الخواص، فإذا ما عودت نفسك جاء رمضان وتصوم صيام خواص الخواص.. هل أنتم مستعدون؟ الله يوفقنا وإياكم..

في هذه الفترة اليوم طويل، وأنصحكم أن لا تقولوا أن الجو حار أو غيره من المسميات التي فيها اعتراض على الله بشكل مبطّن وإنما قل: الجو لطيف.. أليست درجة 48 ألطف من درجة 70؟ إذاً هذا لطف من الله.. فإذا ما خاطبت الناس وخاطبت نفسك بهذا.. يلطف بك الله جلّ جلاله لأنه يستحي أن يسمع منك وصفه ولا يتجلى عليك به.. عندما تقول يا غفار.. هذا وصفه.. يستحي أن لا يغفر لك.. لأنك ما ناديته إلا بإذنه، أفيأذن لك أن تناديه بوصفه ثم لا يتجلى عليك بذلك؟ لا يمكن! ربك ليس هكذا، ليس هذا وصفه..

العمل الثالث: الصدقة بأنواعها، بالمال، بالطعام، بالماء، بالكساء، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالكلمة الطيبة التي لا تكسر خاطر مسلم، نريد تحقيق معنى البذل.. والبذل في لغة القوم هو التضحية، فهذا مالك وقد تعبت من أجل أن تجمعه، وعندما تنفقه ففيه شيء من التضحية.. فقد ضحيت بوقتك وتعبك ودفعت المئة درهم للفقير.. فالمقصود من الصدقة أنك تتعلم البذل وهو من شروط الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم، فتعوّد في رجب على أن تبذل بغضّ النظر عن الكم، فلا يُنظر إلى الكم، وإنما ينظر لحالك عند النفقة، لذلك يقولون استقلل ما تعطي واستكثر ما تأخذ..

العمل الرابع الصِّلة: أي صلة الأرحام وصلة الوالدين وصلة الناس.. كيف تريد أن الله يصلك؟ يصلك إذا وصلت أرحامك! قال سبحانه وتعالى في حديث قدسي (وشققت لها اسمها من اسمي) الرّحم مشتقة من الرحمن، (فمن وصلها وصلته)، ماذا تريد أكثر من هذا؟ (ومن قطعها قطعته).. قطعك عنه.. نعوذ بالله من ذلك.

العمل الخامس: الذكر نريد في رجب أن نلهج بذكر الله وبالاستغفار.. نستهتر بالله، ( المستهترون بذكر الله).. فالاستغفار في رجب يكون لذنبك، وأما الذكر فلربك.. وفي القرآن يقول لك الله سبحانه وتعالى: ((وَاذْكُر رَّبَّكَ)).. لبيك يا ربي.. هذا بالنسبة لأعمال الجوارح..

القسم الثاني: أعمال القلوب

قلبك يحتاج إلى عمل، ويدخل في معنى (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)، كيف لا تظلم قلبك؟

أولاً: بأن تطهره من دنس أمراض القلوب كالكبر والحسد.. قدر المستطاع تخلّص من أمراض قلبك بالمجاهدة وبما تقدم ذكره من أعمال الصلاة والصوم والذكر.. هذا يعين على ذلك إن شاء الله تعالى.. كذلك لا تظلمها بحرمانها من أخلاق القلوب التي ينبغي لك أن تتصف بها من حسنّ ظن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. لو خرجت من رجب بحسن ظنّ بالله فقط لكفاك! فإذا أحسنت الظنّ به لم تسئ الظنّ بخلقه لأنهم خَلْقُه.. أمنكم من يسيء الظنّ بربه؟ لا يُسمى هذا عبداً أبداً.. اللهم ارزقنا قلوباً سليمة..

وأخيراً بعد كل ما ذكرنا بقي: علاقتك مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

لأن معجزة الإسراء والمعراج معجزة عظيمة أفرحت النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها إظهار لشرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف أظهره الله تعالى في عالم الدنيا وعالم البرزخ، لأن الأنبياء كانوا قد انتقلوا إلى رحمة الله عز و جلّ وهذا عبارة عن شيء يسير مما خبأه الله للنبي في يوم القيامة.. شهر رجب فيه إسراء وفيه معراج.. والإسراء يكون بالجسد، والمعراج هو معراج الروح.. النبي صلى الله عليه وسلم أسري بروحه وجسده.. فالمطلوب منك روح وجسد.. أما الجسد: فبما ذكرناه سابقاً من أعمال الذكر والصلاة والصدقة.. وأما روحك: فعندما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُسري به وعُرج به إلى السماوات العلا إلى سدرة المنتهى، وأنه قد اجتمع بأمته في ذلك المعراج وأنه قد رآهم صلى الله عليه وسلم.. رأى المتكبرين والزناة والمرابين ورأى أيضاً أهل النور والذكر والصالحين.. فإن كنت من أهل الذكر والصلاح والنور وتحققت بالصفات القلبية مع الصفات الظاهرية اجتمعت لك حقيقة طهارة الروح والجسد، وإذا ما تمّ هذان الإثنان فقد تهيأت لأن تلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم.

تدبّر آية: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْما علاقة ظلم نفسك بجناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ أنا أحاول أن لا أظلم نفسي، فإذا ظلمت نفسي ما المرجع؟ ماذا أعمل؟ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) فأنت ابذل مافي وسعك قدر المستطاع، ثم تعال إلى جناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك بأن تأتِ إلى ما تركه لك من سنن وآداب وأخلاق.. اجعل لك ارتباطاً به، فإذا ظلمت نفسك تعال إلى مجلس الإثنين مثلاً.. تعال إلى مجلس البردة.. عند ذلك ستجد أن ذلك الظلم سيتلاشى ويذهب ويتجلى عليك ربك بقوله: (لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا).. فإذا تجلى عليك عرجت روحك إلى منازل مقامات الإيمان. فإذا ما جاء شهر شعبان استعدت روحك لأن تتلقى المطر، وإذا ما جاء شهر رمضان فُتحت أبواب الجنة وهطلت عليك أمطار رحمة الله سبحانه وتعالى..

أسأل الله عز و جلّ أن يوفقنا وإياكم وأن يجعلنا من خُلص أحبابه ويبارك لنا في هذا الشهر من أول ساعة فيه. وأن يثبت أقدامنا على طاعته ومرضاته، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).. اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان.. وارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة وتدبر القرآن واجعلنا فيه من الصالحين الخاشعين.. اللهم إننا نوينا في هذا الشهر وفي غيره أن لا نعصيك طرفة عين إلى أن نلقاك وأن لا نفرط في أي عمل يقربنا إليك وفي أي سنة من سنن الحبيب صلى الله عليه وسلم.. أسألك أن توفقنا لعمل كل عمل صالح يقربنا إليك وتحبه وترضاه فتقبله منا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. والحمد لله رب العالمين.