اختيار الزوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أحمده حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه، إنه الواحد الأوحد الذي لم يتخذ ولداً ولم تكن له صاحبة ولم يكُن له شريكٌ في الملك ولم يكن له ولِيٌّ من الذل، أحمده حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، واحدٌ في ذاته وواحد في صفاته وواحدٌ في أسمائه، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فنشهد أنه بلغ الرسالة فأحسن تبليغها، وأدّى الأمانة فأحسن أداءها وتركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم فصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فيا أيها العباد، فإني أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله، ياعباد الله إن الله تبارك وتعالى إذا خلق خلْقاً جعل له من نفسه زوجة يسكن إليها، ثم بعد ذلك يرزقهما الله تبارك وتعالى الذرية الصالحة التي تعبد الله تبارك وتعالى وتوحده، وتنشر الأخلاق والإيمان وتدع الفساد – والعياذ بالله- والطغيان، ولذلكم سؤال مهم يطرح نفسه، ويقول كيف تربي أبناءك؟ وماذا تعلمهم؟ على أي شيء تنشئهم؟ بأي شيئ تغذيهم؟ لأن غذاء العقول أعظم من غذاء الأجساد، فإن الجسد يأكل ماقُدِّم له كما أن البهائم تأكل ماقُدِّم لها أو ماتراه، فالأجساد لاعبرة لها عند الله عزوجل، إن الله لاينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم كما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كيف تربي ابنك؟ هذا السؤال الذي لا شك أن كل ولي أمر وكل أب وأم يدور في أذهانهما، وخاصة في الوقت العصيب الذي نعيش فيه اليوم، في الوقت العسير الذي يعسر فيه على المؤمن أن يظهر أخلاقه وإيمانه حتى يكاد أن يتفلت عليه والعياذ بالله تبارك وتعالى، وتلك من علامات الساعة أن يقبض المؤمن على دينه كما يقبض أحدكم على الجمر يخشى أن يتفلت منه من شدة الفتن والعياذ بالله تبارك وتعالى، كلنا يريد ذرية صالحة، كلنا يريد أن يكون أبناءنا لهم في المجتمع مكانةً واسعة، علمية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو حتى سياسية، لكن من أي نقطة ننطلق؟ نقطة الانطلاق هي بينك وبين الله، أنت ماذا تريد؟ ماذا ترغب؟ حدد وجهتك ..
حدد هدفك من هذه الحياة، أنت تريد أن تتزوج؟.. تريد أن ترتبط بامرأة بالحلال؟.. تريد أن يرزقك الله ذرية تحمل اسمك؟..فإن هناك آداباً وخطوات لابد أن تتخذها خطوةً خطوة، ولابد أن ترتقي سُلّماً سُلمّا، درجةً درجة، حتى تصل إلى القمة التي يريدها الله لك – سبحانه وتعالى. قال الله عزوجل “ولقد كرمنا بني آدم”، والله عزوجل كرم بني آدم وجعله سيد هذا العالم، بغض النظر عن كون هذا المخلوق مسلماً أو غير مسلم، أما إذا كان مسلما، فإن الله وعده بأن يرِثهُ الأرض ومن عليها، “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون، إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين، وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”، الخطوة الأولى هي الدعاء، تدعو الله عزوجل أن يوفقك لاختيار الزوجة.
نعم .. من أرد ذريةً طيبةً وصالحة فاليختر لهم أماًّ صالحة، فاليختر لأبنائه الذين سيرزق بهم إن شاء الله تعالى أماًّ صالحة، زوجةً صالحة، والصالحة لايُشترط أن تكون ذات حسبٍ ونسب وجمال، لايُشترط أن تكون ذات مالٍ وذات منصبٍ وذات هيئةٍ معينة، لايُشترط ذلك، فالاختيار الذي تريده أنت من حُسن الأخلاق تقدمه لربك، ثم يختار الله الذي يريده لك أنت من حسن الاختيار، فإذا قدمت طلباً ووضعت الشروط التي يحبها الله عزوجل، أعطاك الله ما لايخطر على بالك، فوق ماتطلب، لأن الله كريم، يُعطي أكثر ماسُئل، وانظر إلى نبي من الأنبياء سنذكر قصته الآن، هو سيدنا زكريا عليه السلام وعلى نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، قال الله تعالى في جزئية يتحدث فيها عن هذا النبي في سورة الأنبياء “وزكريا إذ نادى ربه رب لاتذرني فرداً وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى”.. ماذا بعدها؟.. “وأصلحنا له زوجه” .. هو طلب أن تكون له ذرية، وكما في سورة مريم “يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيا”.. “يازكريا إنا نبشرك” إلى آخر ماقال الله عزوجل ..
”فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه”، ألم تكن زوجته صالحة من قبل؟ بلى ولكنه زادها صلاحاً، وزادها إيماناً، وزادها تقوى، وزادها عفة، وزادها خلُقا، لماذا؟؟ لأن سيدنا زكريا عليه السلام أتى البيت من بابه، “وأتوا البيوت من أبوابها” وهذه أول نقطةٍ في أن تدعو الله تبارك وتعالى باختيار الزوجة الصالحة التي تكون لأبنائك أماًّ، وتعال بنا إلى قول الله عزوجل في سورة النور حيث كانت وصية سيدنا عمر بن الخطاب عندما أوصى جنوده والصحابة، وأوصى بها الأمة (تعلموا سورة براءة -أي للرجال-، وعلموا نساءكم سورة النور)، فماذا نجد في سورة النور ياأيها الأحباب؟.. نجد قول الله عزوجل “الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات” .. قف هنا!.. “الخبيثات للخبيثين” هنا يتكلم عن الأزواج، وإن كانت أصل الآية نزلت تبرئة لمن اتهم زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصديقة ابنة الصديق عائشة رضي الله عنها وأرضاها، واتهمها بما لايليق بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم “أولئك مبرؤون مما..” إلى آخر الآية، لكن الآية تشمل كل مؤمن ومؤمنة، “الخبيثات للخبيثين” بمعنى الشاب الذي عنده خبث في نفسه لا يميل بطبعه إلا للخبيثة، فعنده الطيبات من النساء والفتيات من بيوت المسلمين اللاتي ربما لم يظهرن في الأسواق عاريات أو شبه عاريات، أو في حفلات الزواج أو في حفلات الرقص والطرب والغناء، أو في اجتماعات النساء، إنهن في بيوتهن عفيفاتٍ، محتشماتٍ، طاهراتٍ، مؤمناتٍ، ينتظرن الطيب حتى يخطبهن، فالخبيث الذي يميل بطبعه إلى الخباثة وإلى النجاسة وإلى القذارة وإلى الغفلة وإلى التبرج وإلى السفور، سيبحث وسيبحث ثم سيقع آخراً في خبيثة مثله، ربما يسأل سائل، لم؟.. ربما لأنه هو الذي يريد، هو لايريد أن يتطهر، أفيكون من عدل الله أن يزوج الطيبة من الخبيث؟.. هل هذا من فعل الله؟ كلا وألف كلا.. وماربك بظلاّم للعبيد، “الزاني لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين”، إلا إذا تاب، ولاحِظ قوله بالزاني أي أنه لازال يزني، والزانية أي أنها لازالت تمارس الزنى، فإنه لايمكن للطيب العفيف الذي يغض بصره والذي يحفظ فرجه أن يقع في زانية والعياذ بالله عزوجل. وكذلك لاينبغي للطاهرة العفيفة والتي تعف نفسها والتي لايخطر على بالها الزنى أو التعلق بالرجال أو التفكير بالرجال حيث سماهن القرآن بالغافلات، ولذلك جعلت السنة من كبائر الذنوب قذف المحصنات الغافلات، قذف المؤمنات الغافلات، أي المؤمنة المسلمة التي لاتفكر في الزنى أبدا، ولايخطر على بالها رجل إلا زوجها، فهل يوجد هذا الصنف من النساء اليوم؟ لاشك أنه يوجد، لكن كم؟!.. يُعَدّوْن بالأصابع، بسبب انتشار الإباحية، والانحلال، والانحطاط، والتبرج، والسفور، بأسماء لماعة وبأسماء خداعة، تارة باسم حقوق المرأة، أي حقوق؟.. أن تكون فريسة للذئاب البشرية، وتارة باسم الحضارة، منذ متى كانت الحضارة في ظهور الأجساد عارية؟.. إذاً الحيوانات أكثر حضارة منا لأنها تمشي عارية، إذاً الإنسان الحجري الذي كان يمشي على سطح هذه الأرض كما قيل من قبل هو أكثر حضارة، أي سفَهٍ هذا؟ وأي نظريات هذه؟ إنما نظريات الشهوانيين، الإباحيين، الزناة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، عافانا الله وإياكم من ذلك.
ولذلك قال الله عزوجل “الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات”، أخلص أنت النية واصدق مع الله، فمن العجب العجاب أنت تجد الشاب يعبث بشبابه، وهو في ريعان الشباب، يعاشر مالذ وطاب له من العاهرات، ثم إذا بلغ من السن مبلغاً جاءه أبوه وجاءته أمه، قالا له يابني ألا تتزوج؟ وكأن هذا السؤال جبلٌ على رأسه، هو مستمتع بالحرام، عنده عشرات الصديقات والعشيقات والعياذ بالله عزوجل، ألا تتزوج يابني؟
يصاب بصدمة لم تكن على باله ويؤخر، ويقول الظروف صعبة، لا مال عندي، المهور غالية، لم أجد فتاتاً تناسبني، لم ولم ، تسويف و تأخير وإنما هو فرار من الطهارة، من الذي يفر من الطهارة غير أقوام وصفهم الله عزوجل بأنهم مفسدين والعياذ بالله عزوجل، فعندما عاف سيدنا لوط ومن معه من المؤمنين فاحشة اللواط، وجاء ذلك الخبر في أقوامه الذين يأتون والعياذ بالله الرجال شهوة من دون النساء أنهم قالوا بألسنتهم وباعترافهم “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون” ذلك يعني بأنهم هم أقوام يحبون النجاسة، ويحبون القذارة، ألا ترون العالم الذي نعيش فيه اليوم إنما هو ثمرة وساختهم وقذراتهم؟.. من أين جاءت انفلونزا الخنازير؟.. ومن أين جاء الإيدز؟ ومن أين جاء الزهري؟ ومن أي جاءت هذه الأمراض المعدية التي جعلت الواحد منا يتقلب في فراشه خوفاً، أيصبح مؤمناً أم يصبح كافراً أم حياًّ أم ميتاً؟..
صرنا اليوم نرى جنائز واموات بالجملة، بينما في السنوات السابقة نادراً ماترى جنازة واحدة، ونادراً ماترى ميتاً، حتى إذا قيل فلاناً مات ارتعبت وخفت لأن هذا شيء نادر!.. لكن اليوم، موتُ بالجملة، ترى في التلفاز، قتلى وأموات، سواء عن طريق حروبٍ أو عن طريق زلازل أو عن طريق فيضانات أو عن طريق أمراض، أو عن طريق حوادث سيارات كما نراها اليوم، أو بلا سبب كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ماظهرت الفاحشة في قوم إلا ابتلاهم الله بالموت) ماذا يعني ابتلاهم بالموت؟ ألا يموتون هم؟ بلى يموتون، ولكن ابتلاهم بالموت أي موت الفجأة!.. فجأة يأتيه الموت وهو لايدري، وهو غير مستعد، اللهم أحسن ختامنا عند الموت، وارزقنا حسن الخاتمة على أفضل الأحوال وعلى أحسن الأحوال يارب العالمين.
ثم يا أيها العباد، بعد أن تختار الزوجة، النقطة الثانية وهي كثرة الدعاء للذرية، وكان ذلك ديدن الأنبياء والمرسلين “ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما”، سبحان الله!.. ودعاء سيدنا زكريا “واجعله ربِّ رضِيّا”، “وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من” ماذا؟؟ “من الشيطان الرجيم”، الشيطان الرجيم اليوم له جنود وله رسل، جنودٌ من الإنس والجن والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أتى أحدنا أهله وقال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا، فإن كان كُتِب لهم ولدٌ لم يضره الشيطان في تلك الحالة، مع أن الشيطان عنده تصريح إن صحّ التعبير بأن يشارك الأزواج في معاشرتهم لنسائهم كما قال الله تعالى “واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، ومايعدهم الشيطان إلا غرورا”، إن الشيطان ليجامع مع الرجل زوجته إذا لم يذكر اسم الله عزوجل، شيطان متغلغلٌ في حياتنا ويمشي في دمائنا مجرى الدم كما قال صلى الله عليه وسلم، وإن في آخر الأزمان سيكثرون ويزدادون بل ربما يخالطون الناس في مجتمعاتهم، نعم .. الصورة صورة إنسان، وإنما في الحقيقة هو شيطان، ولكن أكثر الناس لايعلمون، وإلا فما الذي يمهد للمسيخ الدجال غير الشياطين؟ من الذي يمهد للمسيخ الدجال غير السحرة والمشعوذين؟ من الذي يمهد للمسيخ الدجال غير عبدة الشيطان؟.. والذين نسمع عنهم اليوم والعياذ بالله عزوجل منتشرون، منذ متى صار إبليس إلهاً يُعبد؟!.. هذا رمز الشر، ورمز الفساد، صار يُعبد من دون الله والعياذ بالله، هذا الملعون المطرود من رحمة الله صار له عبيد!.. ومن عبيده؟ فكر معي .. من يعبد ابليس اليوم .. هل هم من يعيشون في أدغال أفريقيا مثلاً؟ أم هم الذين يعيشون في العراء؟ أم الذين يعيشون في قمم الجبال؟ أم الذين لايعرفون القراءة والكتابة؟.. بل هم كما يُقال عِليةُ القوم، بل هم كما يُقال عنهم صفوة القوم.. أي صفوةٍ هم والعياذ بالله عزوجل!..
ولكي أحدثكم بالمصطلح الذي نعيشه اليوم، الذي يملك المادة والذي يملك القوة هو عُلية القوم، لقد قصّ لنا القرآن بأن فرعون كان عالياً من المسرفين، لكن مالذي حصل له؟ أغرقه أمام قومه، الذي كان يدّعي أنه الإله فإذا به غريقٌ يصيح “لا إله إلا الذي آمن به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين، الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟! فاليوم ننجيك ببدنك”، سبحان الله.. ولذلك جاءت إرادة الله عزوجل أن يُهلِك فرعون أمام قومه، وكان بإمكان الله وقدرته أن يقتل فرعون وهو على فراش بيته أمام زوجه ونسائه، ولكن لا، أنت الذي تدعي أنك إله وأنك تسيطر على العالم؟! تعــال أنا سأُغرقُك أمام أعين من كنت تستعبدهم، أمام أعين بني اسرائيل، وكان على مرأى من قوم موسى ومن معه من المؤمنين، وعلى مرأى من أتباع فرعون والذين كان يستعبدهم، كلهم رأوا حادثة كيفية موته ..
قال الله عزوجل “وماهي من الظالمين ببعيد”، فكل ظالم اليوم فعل الله ليس ببعيد عنه فانتبه. واسمع وتدبر هذه الآية من سورة فصلت، قال الله عزوجل “إن الذين يلحدون في آياتنا لايخفون علينا، أفمن يلقى في النار خيرا أم من يأتي آمنا يوم القيامة، اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير”، أسأل الله عزوجل أن يكفينا وإياكم شر الأشرار، وأن يحفظنا وإياكم ماتعاقب الليل والنهار، أقول قولي هذا وأستغفرالله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، نشهد أنه قد بلغ الرسالة فأحسن تبليغها، وأدى الأمانة فأحسن أداءها، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار الأبرار وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك ياأرحم الراحمين وسلم تسليما كثيرا..
أما بعد، فياأيها العباد، فإني أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله، إن الذي سبق وتكلمت عنه هو جزءٌ مهمٌ في حياتنا، والذي يقصد أبناءنا والجيل القادم من الأبناء الذين لم يوجدوا في هه الأرض، والذين كتب الله أرزاقهم وآجالهم، ولا زالوا في أصلاب آبائهم وترائب أمهاتهم، ثم يا أيها العباد، إن من أعظم ماتعلم ابنك هو الإيمان والتعلق بالله سبحانه وتعالى، لأن هذا الإيمان هو الذي سيثبت العبد في الدنيا وفي البرزخ ويوم القيامة، وهو الذي يمهده لأن يفهم الواقع الذي يعيش فيه اليوم، وعندما نقول تعلمه الإيمان، أي تعلمه بوجود الله عزوجل، تعلمه أن الحكم بيد الله، وأن التصريف بيد الله، وأن الآجال بيد الله، وأن الأرزاق بيد الله، وأن الكوارث بيد الله، وأن الأمراض بيد الله، وأن الشفاء بيد الله، وأن الموت بيد الله، وأن الإحياء بيد الله، وأن البعث بيد الله، وأن القيامة بيد الله، غذِّ ابنك كما ذكرتُ لكم في أول خطبة، غذِّ قلبه وعقله، ولاتُسلّمه للخيالات التي تُصدّرُها لنا دول لاتعرف شيئا عن تلك الحقيقة التي نتحدث عنها، والذين يدسون سمومهم في برامج كرتونية لأطفالنا وبناتنا فيتعلمون خيالات ومخلوقات فضائية وأشرار وصفات وأعمال، يتعلم فيها أبناؤنا خيالٍ في خيالٍ في خيال، كذب ودجل، هم يعبدون إبليس كما ذكرت لكم، وإبليس أصلا لم يخرج إلى الدنيا إلا بكَذِب، كذَب على أبيكم آدم وقال له لو أكت من هذه الشجرة ستكون من الخالدين “وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، فدلاهما بغرور”، غرهما، وكذب عليهما، حياته كلها كذب، دجل، خيالات، لايمكن لأبناءنا المسلمين أن يعيشوا في الخيالات، فهب أن ابنك يشاهد هذه المشاهد منذ أن بلغ الثالثة من عمره، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والعاشرة، حتى الخامسة عشرة ثم بعد ذلك تقول له يابني هذا كله كذب، مالذي سيصاب به ابنك؟!.. سيصطدم، سيقول لك ياأبي، ربيتني سنوات ثم تقول لي الآن هذا كله خيال؟! هذا كله كذب؟ سيعيش على أنه لن يصدقك، ولن يعتقد بوجود الله، هل رأيت كيف أنت تُحارَب من قومٍ يدسون السم في خُزعبلاتٍ وفي مظاهر خدّاعة؟ بإسم التسليات وبإسم الألعاب، وماأنت إلا مغرور، غرّ هؤلاء دينهم، ولذلك إذا تفلّتَ من المؤمن القرآن أو تفلّت هو من القرآن، وابتعد عن الإيمان، وابتعد عن الصلاة، تقربت إليه الشياطين واستهوته الشياطين واختطفته الشياطين، حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، ثم بعد ذلك يغيرون عقله وقلبه حتى يكون عبدا لهم، ولذلك أمرنا الله عزوجل أن نعلم أبناءنا التفكر في خلق الله، علّمه الحقيقة لا الخيال، لاتقل له كائنات فضائية، علمه الفضاء كله، علمه الشموس، علمه الأقمار، قل له هذه كذا وهذا صفته كذا، وماخلقها إلا الله، علمه الحقيقة، فإذا نشأ، نشأ على علم ودراية، ثم سلمه مفتاح القيادة، فيخرج إلى الدنيا ويعلم أنه أولاً وآخراً هو عبدٌ لله، وعندما أقول أنا عبدٌ لله معناه أنا لا أخاف من أحد، ولا أخشى أحد، ويوقفني أحدن وسأستمر، لأن خوفي من الله هو الذي يدعمني، ليش معنى أن تخاف الله أن تكون ذليلاً وأن تكون مرعوباً! من اتقى الله عزوجل عاش سعيداً، ليس كل من يقطع طرُقاً بطلا، إنما من يتق الله البطل كما يقول ابن الوردي، إنما هي حقائق وعلوم، واعلم أنه كما قال الله عزوجل “العاقبة للمتقين”، ولقد رأيتم في القرآن أن الكفار بكثرة أموالهم، وتعداد جيوشهم، وكثرة علومهم، تصاغروا وتساقطوان ولم يثبت إلا المتقي ولو كان صُعلوكاً، ولو كان عبداً مملوكاً، الله قال “والعاقبة للمتقين” لا غير. عندما يتعلم ابني الإيمان بالله، أعلمه الثقة بالله، الاعتماد على الله، أما إذا كنت أعلمه الاعتماد على عقله، الاعتماد على ثروتي، الاعتماد على أبيه، لا .. فكل ذلك لن يثبت، ماالذي يثبت؟ كلمة واحدة، قال لله عنها “أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء” وهي لا إله إلا الله، وماعدى ذلك فقد قال الله عنها “ما لها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله مايشاء”، آمنتُ بك ياربي وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ماوعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ومازادهم إلا إيماناً وتسليما، من المؤمنين رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه، فاللهم اجعلنا من هؤلاء المؤمنين الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، أسأل الله عزوجل أن يرزقني وإياكم الفهم، ويجعل أبناءنا محفوظين بحفظه وكرمه إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم فصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار الأبرار، خصوصاً ذوي القدر العلي، ساداتنا وأئمتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى العشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم طهر المسجد الأقصى من أيدي اليهود العابثين، اللهم ارفع الفتن عن أهل العراق، وارفع البلاء عن أخواننا في أندونيسيا وفي كل مكان يارب العالمين، وأطفئ نار الفتن في بلاد اليمن وفي كل مكان يارب العالمين، واحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من الفتن والحروب والآلام والأسقام، واحفظنا واحفظ أبناءنا وبناتنا من كل الكوارث ومن كل المصائب، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم إنا نعيذ أنفسنا وأولادنا وذرياتنا وبناتنا ونسائنا، نعيذهم جميعا من الشيطان الرجيم، اللهم إنا نعوذ بك من وسوسة الشيطان، ومن جنود الشيطان ومن غرور الشيطان، ومن خداع الشيطان ومن جدل الشيطان، اللهم احفظنا يا أكرم الأكرمين، فالله خيرٌ حاظاً وهو أرحم الراحمين، اللهم زدنا إيماناً، وزدنا تقوى، وزدنا خوفاً منك وخشيةً لك، وشوقاً إلى لقائك يارب العالمين. اللهم لاتصرفنا إلا بذنبٍ مغفور، وعيبٍ مستور، وتجارةٍ لن تبور، واغفر اللهم للشيخ زايد وللشيخ راشد وللشيخ مكتوم وبارك اللهم في ولي أمرنا ونائبه، وسائر حكام الإمارات، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وعلى فعل الخير، وبارك اللهم فيمن بنى هذا المسجد وفيمن صلى فيه إماما أو مأموماً، ومن أذن فيه ومن طيبه وعطره وبخره ونظفه واعتكف فيه، ومن سبح الله فيه، وذكر الله فيه، واستغفر الله فيه، وصلى فيه على النبي صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم، اجعل هذا المسجد شاهداً لنا لا علينا، آمين اللهم آمين ..
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون.