أحي والداك؟
الحمدلله .. الحمدلله الذي خلقنا وأوجدنا ورزقنا وأحيانا ويميتنا ويبعثنا ،أحمده سبحانه وتعالى على كل شيء ، إنه الله الذي لا إله إلا هو، تكفل بأرزاقنا وأوجدنا من أبوين اثنين ، وأمرنا بالإحسان إليهما والبر لهما والقيام بخدمتهما ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا و إمامنا وقدوتنا محمداً عبدالله ورسوله ، وصفيه من خلقه وحبيبه ، نشهد أنه قد بلّغ الرسالة فأحسن تبليغها ، وأدّى الأمانة فأحسن أداءها ، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، اللهم فصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأخيار الأبرار ، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد فيا أيها العباد ، فإني أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله، يا عباد الله ويا عبد الله أحَيٌ والداك ؟ أحَيٌ والداك ؟ أحَيٌ والداك ؟ سؤال سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً جاء إليه من بلادٍ بعيدة ، قطع المسافات الطوال يبايعه على الإسلام والهجرة والجهاد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” أحَيٌ والداك ؟ ” فأجاب الرجل في استغراب : نعم يا رسول الله ، فقال ” ففيهما فجاهد ” وكأنه يقول له ارجع واخدم والديك فإن الجهاد عندهما، وإن كنت لا تسمع قرع السيوف ورمي السهام والرماح ، فإن رفع يديك وخفض جناحك خدمتك لوالديك يبلغ مبلغ ضرب السيوف ورمي الرماح والسهام ، أحَيٌ والداك يا أيها الحاضر في هذا المسجد أحَيٌ والداك ؟ ،وفي رواية أخرى جاء رجل من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقطع المسافة الطويلة حتى وصل إلى المدينة فقال : يارسول الله جئتك أبايعك على الجهاد والهجرة أو على الهجرة والجهاد فقال ” ألك أمٌ ؟ ” وكأن الرجل مستغرب من هذا وكأن الرجل مستغرب من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه لم يأتي على باله أن يُسأل هذا السؤال ، فقال “ألديك أمٌ ؟ ألك أم ؟ ” قال : نعم ، قال ” الزم رجلها فإن الجنة ثَمَّ ” أي هناك الزم رجلها فإن الجنة ثَمَّ أي إن الجنة تحت أقدام الأمهات أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، عباد الله وفي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الجهاد وانظر المسألة مابين مبايعة على الإسلام وعلى الجهاد ، وكلا الأمرين أعظم من الآخر فقال له : ولكني تركت والدي يبكيان حزناً على أني تركتهما للجهاد ، فقال ” ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ” صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله ، ما أعجب هذا الخُلق العظيم ، رجل يخرج وكله حماس وكله حيوية وكله نشاط وكله همة وكله عزيمة وكله راغب أن تخرج روحه في سبيل الله لأنه يرى أن الله أعزّه بالإسلام فأراد أن يقدم روحه لهذا الدين ولسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت نظره إلى أبويه ، تركتهما يبكيان يصبان الدمع بعد الآخر على فراقك ارجع إليهما فأضحكهما ، قال أهل العلم كيف يضحك الابن والديه بأن يقول لهما لن اجاهد إلا معكما ، لن أجاهد إلا فيكما لن أجاهد ولن أقض حياتي إلا في خدمتكما ، عند ذلك سيضحكان وسيفرحان إذا رآ ابنيهما على هذا الوصف وعلى هذا الخلق ، يا عبد الله وأنا أكرر هذا السؤال لنفسي ولك ، أحَيٌ والداك ؟ فإن كانا على قيد الحياة فإنها والله فرصة عظيمة ، لأن تقوم بخدمتهما وأن تحسن إليهما وأن تقطع وأن ترتقي إلى أعلى الدرجات العلا من الجنة بسبب خدمة لأبيك وخدمة لأمك ، حتى ولو تركت قيام الليل وصيام النهار ، فإن من قام على قدميه يخدم والديه فكأنما رجل قام الليل أو نصفه ، ألا ترى ذلك الرجل من النفر الثلاثة من بني إسرائيل والذي انسدت عليهم الصخرة في الغار وكلكم يعرف هذا الحديث ، وكان من أحدهما أنه أراد أن يسقي والديه بلبن فرآهما نائمين قال فظللت واقفاً على قدمي والأولاد يتضاغون أي يصيحون من شدة الجوع والظمأ ، يريدون أن يشربوا من اللبن الذي يحمله أبوهما من أجل أن يسقي والديهما فوجدهما نائمين فلم تطب نفسه أن يوقظهما لأنه رآهما في لذة النوم ، في راحة في هدوء في سكينة لم يرغب ولم تطمع نفسه أن يوقظهما لعلمه كذلك أنهما ناما جائعين ، فخار مترددا أيوقظهما من أجل أن يسقيهما أم يتركهما حتى لا يزعجهما ، فظل واقفا على قدميه مترددا إلى أن طلعت الشمس ، متردد يوقظهما أم يتركهما ، أوقظهما ام أتركهما ، الليل كله على قدميه ، فلم يفاجأ إلا بصياح الديك ، فانتبه والداه ورآ ولديهما قائما على قدميه وأولادهما نائمين غلبهم النوم ، بم غفر الله له ؟ ببره لوالديه ، لم غفر الله له ؟ لوقوفه على قدميه فوق رؤوس والديه ، وقف الليل كله على هذا التردد ، سؤال كم انت وقف على قدميك و أعطيت والديك وجهاً ضاحكاً ؟ وكم أعطيت والديك ظهرك ؟ وكم لم تلتف لآرائهما ومشورتهما ؟ وكم عبست بوجهك في وجههما ؟ وكم سفهمت رأيهما وقلت لهما إنكما متخلفين أوجاهلين ؟ وكم نظرت بعينيك استصغارا لهما ؟ وكم تأففت من رائحتهما ؟ وكم انزعجت من خطابهما ؟ كم ؟ يالك من مجرم هذا هو عين الإجرام ، أن تلقى الله عز وجل وأبوك وأمك لو يرضيان عنك إلى يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى ، ولذلكم يا أيها الأحباب القرآن الكريم قص لنا قصة نبيين اثنين ومدحهما ، ومن جملة ما مدحهما بأنهما بارّين بآبائهما وأمهاتهما ، وانظر إلى سورة من القرآن ، لا أظن أحدا لا يعرفها ، أو لم يقرأها أو حتى لم يسمع بها سورة مريم عليها السلام وعلى ابنها وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، سورة مريم قصة لولادة يحيى ابن زكريا عليهما السلام ، وقصة لولادة عيسى ابن مريم عليهما السلام ، “كهيعص” ماذا يا ربي ؟ ما معنى كهيعص ؟ “ذكر رحمة ربك عبده زكريا” ، ماذا فعل يا ربي ؟ “إذ نادى ربه نداء خفيا ” ما الذي استفيد إذا كان زكريا يناديك ؟ ماالذي استفيده ؟ اسمع إلى ماقال قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا هذا هو الطلب .. يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبلا سميّا قال رب أنّا يكون لي غلام وكانت إمرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو عليه هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية علامة قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ، أي لا تتكلم معهم إلا بالتسبيح وفي سورة أخرى آل عمران ولا تكلمن الناس ثلاث أيام إلا رمزا إلا إشارة فأمسكه الله عز وجل عن الكلام إلا بالتسبيح فكان يشير عليهم بالكلام ، يشير عليهم باصبعه ولكن إذا أراد أن يتكلم فإن لسانه لا يتكلم إلا بالتسبيح ، فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، سبحان الله قصة طويلة بالتفصيل يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ، ماذا بعد ذلك ؟ وبرّا بوالدته ولم يكن جبارا عصيا ، والسلام عليه يوم ولد و يوم يموت ويوم يبعث حيا ، ما أعظم الكلام وما أعظم خطاب الله عز وجل ، انظر قصة بروز هذا النبي يحيى أو هذا المولود الصغير قص الله لنا كيف كان أبوه يدعو الله عز وجل عندما كان يدخل على مريم المحراب ويجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعى زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة إلى آخر آياته في سورة آل عمران ، أُعجب بهذه الفتاة الصديقة البنت التي لم تغتر بشبابها ولا بجمالها ولا بحسبها ولا بنسبها ولم يخطر على بالها زنى أو فواحش أو علاقات غير شرعية أو مع شباب أو مع فتيان ، رآها دائما أربع وعشرين ساعة في المحراب ، أعجب بهذه الذرية طلب من الله يارب هذه مريم رزقت أمها بهذا بينما هي كانت تطلب أن تُرزق بولد لكنك رزقتها بفتاة أو بنت فأعجب بما أعطاها الله من الكرامات ، تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ، أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، سيدنا زكريا ضربه الشيب رجل عجوز وانحنى ظهره، وإمرأته عاقر لا تلد وحسب القوانين الطبية لا يمكن لإمرأة عقور ولا رجل شائب أن يرزقا بمخلوق إلا إذا كانت هناك معجزة من الله ، لكنه عندما رأى مريم العذراء ورأى خُلُقها وإيمانها وتقواها وقنوتها وصدقها ، وقف في المحراب ودعا الله عز وجل إذ نادى ربه نداء خفيا قال العلماء مع أن النداء لا يكون إلا بصوت عالٍ فكيف يقول نداء وخفيا ؟ قالوا لأنه رجل عجوز فرفع صوته قدر ما يستطيع لأن صوته كان خفيا لعجزه ولكبره فطلب من الله عز وجل أن يرزق بذرية كمريم ولم يحدد ذكر أو أنثى، فأعطاه الله يحيى وكان يبكي سيدنا زكريا في المحراب فرزقه الله بهذا المولود العجيب النبي، ثم بعد ذلك أثنى عليه وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرّا بوالديه إشارة أنك أنت يا يحيى لم تخرج إلى الدنيا إلا بدعوة أبيك، كان يبتهل في المحراب ويبكي ويصيح وكان يدعوني بأن أرزقه بولد حتى يرثه أي يرث النبوة لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا أو درهما إنما ورثوا العلم وورثوا النبوة وهذا هو المقصود كما قال أهل العلم يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا، كم دعوات دعاها سيدنا زكريا فبرز هذا نبي الله يحيى ولذلك أثنى الله عليه أنه لم ينس دعوة أبيه ولم ينس دموعه ولم ينس ابتهاله ولم ينس قيامه، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وأنا أسال نفسي وإياك ، أنا وأنت عندما تزوج أبوك أمك وكانا يدعوان الله عز وجل أن يرزقهما الله بذرية صالحة طيبة عفيفة وكانا يدعوان الله عز وجل ليلا ونهارا لم تسكت ألسنتهما من الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل ، ولربما كان تأخر الانجاب من أبيك أو أمك ولم يقدر الله عز وجل أن تخرج أنت إلى الدنيا إلا بعد عشرات السنين وتلك عشرات السنين لم تسكت أمك بدعوتها إلى الله عز وجل حتى جئت أنت، ثم بعد أن جئت أنت كانت أمك وكان أبوك يدعوان لك اللهم كبره اللهم علمه اللهم أصلحه اللهم بارك فيه ثم ترعرعت وكبرت ودعوات والديك لم تنقطع عن السماء لك ثم كبرت ودخلت المدرسة وكانا يدعوان لك اللهم وفقه اللهم نجحه اللهم اجعله متفوقا في الدراسة اللهم علمه اللهم فقهه اللهم يده إذ أنت تذهب إلى كرسي المدرسة وأبوك وأمك يدعوان لك، ثم كبرت ودخلت إلى الثانوية ثم إلى الجامعة وربما ذهبت إلى الجامعات فرفضتك الجامعة الأولى ثم الثانية وأبوك وأمك يحملان أوراقك وملفاتك وشهاداتك يذهبوا من هنا ويذهبوا إلى هنا ولم يتباطى بأن يدفع لك آلاف الدراهم حتى تكمل دراستك، وأمك ربما كانت ربة بيت فخرجت إلى العمل من أجل أن تنفق عليك لعلك تتعلم لعلك تدرس لعلك تخرج وترفع اسميهما في الدنيا، ثم بعد ذلك لم تستجب الجامعات وربما أدى أبوك إلى أن يسفرك إلى الخارج حتى تدرس وأنفق عليك ولم يبخل عليك ثم بعد ذلك، درست وتخرجت جاء وقت الزواج وبحثت لك أمك عن فتاة تليق بك من هنا وهاهنا ولم يفتر لسانها ولسانه عن الدعاء لك إذا أنت قبل أن تُخلق إلى أن تموت وأنت في بركة دعوة والديك ولا أظن أحدا يخالفني هذا الرأي إلا ماندر، بل ربما تغضبهما وتزعجهما وتحزنهما ومع ذلك تبكي أمك يارب سامح ابني مايعرف ، اللهم اهد ابني، اللهم أصلحه، اللهم اهد قلبه، وأنت ربما تتمادى في إغضابهما والعياذ بالله عز وجل إذا حياتك قبل ولادتك، وأثناء ولادتك بل أثناء حمل أمك بك وعند الولادة وبعد الولادة وعند الدراسة وعند الرضاعة وعند الكبر وعند الزواج وعند الموت ، أبوك وأمك يدعوان لك وأنت ربما لا تبال ولا تهتم بل شيء بسيط هل أنت دعوت عشر معشار ماكانا يدعوان لك ؟ أسأل نفسي أنا وأسألكم أنتم كم نسبة ماتدعو لوالديك إلى الآن يامن بلغت العشرين أو الثلاثين أو الأربيعين أو الخمسين أو الستين أو السبعين مانسبة دعائك لوالديك كما كانا يدعوان لك من قبل أن تخلق ؟ أظن ليس هناك تناسب معادلة صعبة جمعها لا يمكن ، كم أنا مقصر في الدعاء ، نتكلم في الدعاء يا أيها الأحباب ، كم أنا مقصر في الدعاء فضلا عن الإنفاق فضلا عن الخدمة فضلا على أن أمسك لساني أو عيني أو قلبي من أن أتأفف منهما مجرد الدعاء، ولذلك هذا الملحظ أشار إليه القرآن وكأننا لا نقرأ القرآن أو نقرأه ولا نتدبره قال سبحانه وتعالى ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ” كم مرة دعوت الله لهما ؟ كم مرة دعوت الله لهما بأن يرحمهما قبل أن يموتا ، مافائدة إذا مات أبوك أو أمك قلت يارب ارحم أبي ارحم أمي اللهم ارحمهما بعد أن ماتا ! ادعو لهما ولا زالا في الحياة لأن دعوتهما لم تنقطع عنك أو لك و أنت في هذه الحياة ، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا، كنت اقرأ هذه الآية وتوقفت مع كوني ليست المرة الأولى اقرأها، بل ماكنت اقرأها إلا بعد أن علمني والدي وأمي، بعد أن شجعاني على الالتحاق بحلقات التحفيظ في بعض المساجد في بعض الدول الإسلامية، وإني أقول إن كل حرف أقرأه في كفة حسنات والديّ، يكفيهما أن كل آية أقرأها من القرآن من يوم أن أنطق الله هذا اللسان إلى أن يأتي الوقت الذي يقبض فيه الروح فإن كل حرف في كفة حسنات والديّ، فجزاهما الله عنا خير الجزاء فكن أنت كذلك علِّم أبنائك وربِّ أبنائك ، ربما نعم ربما يكون والدك مقصرا أو أمك مقصرة في تربيتك، ربما يقول البعض أبي لم يعلمني القرآن ، أمي لم تعلمني القرآن، نعم ربما هناك تقصير لكن هذا ليس مبررا لك بأن تقابل إساءتهما بإساءة منك، لأنك مهما فعلت ومهما صنعت فإن ذلك لا يساوي لحظة وجودك في الحياة لأن الله جعلهما سببا في وجودك في هذه الحياة بعد الله جل جلاله وتعالى في علاه ، ولذلكم يا أيها الأحباب إن هذه القضية قضية تحتاج إلى تريث، قضية الوالدين ربما يقول البعض منا أنت تتكلم عن قضية الوالدين وكم درسا أو موعظة أو خطبة تكلم فيها المتكلمون ألا تتكلم فيما يحدث في العالم، ألا تتكلم في الزلازل التي تحدث وفي الحروب والفيضانات التي نراها اليوم أو في أمراض مثل انفلونزا الخنازير أو مايحدث في العالم، نقول بدل أن نتكلم عن الأحداث نتكلم عن الأسباب، ماهي أسباب الفيضانات؟ وما أسباب انتشار الأمراض؟ وما أسباب اختلال موازين الطقوس والمناخ والأحوال الجوية؟ وما أسباب اختلال الأمن في بعض البلاد؟ كل تلك الأسباب بسبب ذنوبنا وأقولها صراحة بسبب ذنوب المسلمين، نحن المسلمون لا أقول الكافرين، لماذا؟ لأن الله عز وجل قد خاطب الكفار في القرآن وقال لهم “قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ” فلا تتعجب عندما ترى بعض الدول الكفرية يعيشون في أمن ورخاء وفي ازدهار وحضارة وفي رقي، بينما نحن ربما أو بعض البلاد الإسلامية تصاب بشيء من الأمراض أو من اختلال الأمن أو بحصول شيء من البعد أو غير ذلك أو من الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية أو غير ذلك بسبب ذنوبنا، نحن المسلمون وبالذات أمة النبي محمد ، لم يؤخر الله عز وجل هذه الأمة إلا بعد أن طغى وفسد الأمم السابقة من أتباع الأنبياء الذين أرسلت إليهم الأنبياء والرسل ، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد ، ثم جاء الله بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة وجعلنا وإياكم من أمته، كان بوسع الله عز وجل وبإرادته أن يجعلني وإياك من أمة نبي الله زكريا على سبيل المثال، أو من أمة نبي الله لوط على سبيل المثال، أو من أمة نبي الله يوسف، أو هود أو صالح أو شعيب ، لكن الله جعلني وإياك من أتباع هذا النبي محمد لماذا؟ حتى نكون خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله وندعو إلى الله و نجاهد في سبيل الله، نجاهد الظلمة والفسقة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، هذا ما أراده الله لنا وطلبه منا تبارك وتعالى فهل نحن جادون على إرادة الله وعلى مراد الله مما خلقه لنا ، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه ، أقول قولي هذا واستغفرالله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا و إمامنا وقدوتنا محمدا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، نشهد أنه قد بلغ الرسالة فأحسن تبليغها، وأدى الأمانة فأحسن أداءها، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم فصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار الأبرار، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد فيا أيها العباد فإني أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله، يا عباد الله إن الساعة قد اقتربت، وإن مايدار ويحدث في العالم من اضطرابات تدل على قربها، علمت أو لم تعلم، جهلت أم لم تجهل، رأيت أم تعاميت، اقتربت الساعة وانشق القمر، ولكن لا يهمنا متى الساعة، كما جاء سيدنا جبريل النبي صلى الله عليه وسلم يسأله متى الساعة؟ قال ماذا أعددت لها؟ ذلك الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال متى الساعة؟ قال ماذا أعددت لها؟ ، وفي رواية سيدنا جبريل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها أي عن علاماتها وذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الساعة آتية لا شك وعلاماتها كثيرة قد حدثت، ومن جملة علامتها عقوق الوالدين، فإذا وجدت الابن أو البنت تعق أمها أو أباها فاعلم أن الساعة قد اقتربت، وإني أرى ما من أبٍ أو أم إلا ويشكيان من أبنائهما، بعض الأبناء مثلا يقول هذا أبي أو أمي مايرضيه شيء، بعض الآباء نعم ربما يكون متسلطاً لا يرضيه شيء يقول أنفق عليه ولا يرضى، أعامله بالحسنى ولا يرضى، دائما متسلط، هل يبرر ذلك أن أترك والدي؟ قلت له كلا وألف كلا لا يمكن ذلك، لماذا؟ لأن الله أمرك بذلك كما أن الله عز وجل أمرك بأن تعبده على أي وصف كان ولذلك تعلم هنا السر مابين جمع الله بأمرنا بالعبادة له بالإحسان بالوالدين، وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، لم يقل وبالصلاة ولم يقل وبالزكاة ولم يقل وبالجهاد، لم ربط بالإحسان بالوالدين مع الأمر بعبادته تبارك وتعالى، قال أهل العلم كما أن الله أمرك أن تعبده على أي وصف كان بمعنى لو أن الله خلقك وصبَّ عليك المصائب كلها صبّا جعلك فقيرا، جعلك مريضا، شتت شملك على سبيل الافتراض، أمات أباك وأمك فصرت يتيما، وصرت في المجتمع لا أحد يعولك ولا أحد ينفق عليك، ولم تتعلم وربما صرت أضحوكة عند المجتمع، انظر إلى هذا المتخلف انظر إلى هذا الابن انظر إلى هذا الجاهل انظر، أيحسن بك أن تعترض على الله ؟ أو أن تقول يارب مادام أنت لم تحسن إلي فلن أصلي لك ولن أعبدك حتى تطعمني وحتى تكسوني وحتى تعلمني وحتى وحتى وحتى، أيحسن بك ذلك ؟ لا والله بل أمرت بأن تعبده لأنه ربك ، نحن نتكلم على سبيل الافتراض ولم يترك الله عبدا من عباده هباء منثورا إلا ربما أن يكون ابتلاء والابتلاء لابد له من انتهاء صلاحية لا بد اختبار امتحان ، وربما ذلك الابتلاء بسبب ماقدمت يداك، وأما إذا ماابتلاه ربه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن، فالله عز وجل يقول كلا بل لا تطعمون اليتيم أعطاك الجواب بالعلة، ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما أي الميراث ، وتحبون المال حبا جما فبخلت بالمال حتى أمسكته عن أقرب الناس إليك من والديك وربما اليتيم وربما المحروم وربما السائل والعياذ بالله تبارك وتعالى، بل ربما يكون الأخ أعطاه الله من المال ويرى أخاه ربما مسجون في السجون مرميا في السجون بسبب دين عليه أو ربما يكون أبوه يقول يستاهل الابن، سمعتها بأذنيّ ابن يقول أبي في السجون يقول يستاهل أعوذ بالله وأعوذ بالله أن أرزق بذرية أن يقال لي ابني يستاهل، يرمي في السجون أبي ولو كان هو السبب بل دينك الذي تدين الله به، يا أيها المسلم يقول لك إذا كان أبوك مرميا في السجون بسبب الديون ولم يكن عندك مال كافٍ حتى تسدد ديونه فأخرج أباك وتحمل أنت الديون وادخل السجن بدله، ولن تجد ذلك لا في دين اليهودية ولا النصرانية ولا البوذية إن صح أن يقال لها أديان وليست بأديان، ولن تجد إلا في دين الإسلام فالحمدلله على هذا الدين ، فالحمدلله إلى هذا الحد أن تدخل السجن وتخرج أباك، يا أبي اخرج أنت من السجن وتمتع بحياتك، وانا أتحمل ديونك ، لم تتعرض للذل والهوان؟ ابتغاء مرضاة الله أترى إذا فعلت أيها الابن هذا العمل أيتركك ربك ؟ وهو الذي قال ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، أترى أن الله عز وجل يتركك؟ أترى أن الله ينساك؟ أترى أن الله يجعلك مرميا في السجون سنوات طوال من أجل أبيك؟ لا والله إن كنت أنت محسن لأبيك فإن الله هو المحسن الأول، هو المحسن الأول في الدنيا والآخرة، ولم يُعلم محسن أكثر من الله إحسانا جل جلاله وتعالى في علاه، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإذا اتقيت الله عز وجل جعل لك من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم مخرجا ونفّس عنك كربتك، يا أيها العباد هذا دين هذا دستور هذا شريعة هذا قرآن هذه سنة، هذا منهاج جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولذلك مهما كنت فعلت فلن تعطي والديك من الإحسان إليهما ولذلك نقول كيف حالي وحالك، بل ربما يكون الواحد منا ربما يكون عليه ديون وتكون زوجته عندها من الأموال وترى أن زوجها يذهب هاهنا وهاهنا ولا تنفق عليه وتقول أنت الرجل أنت الذي تنفق على نفسك نقول نعم الرجال قوامون على النساء، ولكن ألا تحبون أن يحسن الله إليكم إن الله يحب المحسنين، إن الله يحب المنفقين ، يا عباد الله إن هذا القرآن وإن هذا الدستور يشير إلينا أن نكون على اعلى قمم الأخلاق في المعاملات، فإن كنا نحن لم نأخذ بهذا الدستور ولا بهذه الشريعة ستنظرون وستسمعون سواء كان في الشاشات أو ستسمعون في الإذاعات مايحصل للعالم من كربات واضطرابات كما قلت بسبب مسلمين تركوا وهجروا القرآن تلاوة وعملا وتدبرا، ولو أن كل واحد منا راجع وقرأ القرآن وقرأ هذه الآيات التي قرأناها في هذه الجمعة مع أننا كلنا نقرأها ونسمعها، بل ربما الكثير منا يحفظها ولكن لا يتوقف لا يتوقف، من منا عندما يقرأ قول الله تبارك وتعالى” وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا و سلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ” من منا توقف عند هذا الآية؟ وقال كيف يمكن أن أبر بأبي وأمي اتباعا لمنهج الأنبياء والمرسلين، سبحان الله نسأل الله عز وجل أن يعيدنا وإياكم إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أختم خطبتي بأول ماتكلمت به أحَيٌ والداك؟ إن كانا على قيد الحياة فانوِ من الآن بانصرافك من صلاة الجمعة أن تحسن إلى والديك ليس فقط لأنك استمعت إلى الجمعة وربما تأثرت بها ثم إذا جاء يوم الأحد ونسيت ماكان ذلك فلا تنسى فكن واعزم واصدق واستغل وجودهما في الحياة، فإن لا أب يبقى ولا أم تبقى ولا ابن يبقى ولا زوجة تبقى ولا أنت تبقى فاستغل وجودهما في هذه الحياة، فإن كانا على غير قيد الحياة بأن ماتا أو أحدهما، فاستغل الحي منهما، وكن معهما وادعِ للميت واذهب إلى قبره، واستغفرله وادعوالله له وبرَّ به وصل ما كان يحب أن يصل، وأره منك مايسره فإنه كما ورد في الحديث ( إن أعمال الأبناء تعرض على آبائهم وأجدادهم في البرزخ) أي في القبور فلا تحزن أباك أو أمك أو جدك وتخزه في برزخه وفي معسكر الأموات في القبور لأن كل ميت يفرح بما يفعله ابنه من الأموات، لأن الأموات كما صحّ وثبت يتزاورون وتعرض عليهم أعمال أبنائهم كما ذكر ابن حجر في مجمع الزائد بالرواية التي ذكرها، فإن أنت أبوك ميت أو أمك أو جدك أو أجدادك فاتق الله اولاً، ثم اعلم أن عملك يعرض على أجدادك من الأموات، فانتبه لذلك ولا تسود وجه أبيك أو مك في عالم البرزخ، قال الله عز وجل ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” وأول من يرى من المؤمنون أعمالك هم من تنتسب إليهم من أبيك وأمك، أسأل الله عز وجل أن لا يخزيهم بأعمالنا، وأن يجعلنا وإياكم ممن برّ بهما في حياتهما وبعد موتهما، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” اللهم فصلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار خصوصا ذوي القدر العليّ، ساداتنا وأئمتنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى العشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدرٍ وأهل أُحد وأهل بيعة الرضوان، وعلينا ومعهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين ، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين ، اللهم خلّص أولى القبلتين ، واحفظ الحرمين الشريفين ، واحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من الفتن والمحن والحروب والآلام والأسقام والأمراض ، اللهم ارفع البلاء عنا وعن المسلمين، ارفع الوباء والأمراض عنا وعن المسلمين يارب العالمين ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، رب ارحم والدَينا كما ربيانا صغارا ، رب ارحمهما كما ربَيانا صغارا ، رب ارحمهما كما ربيانا صغارا ، اللهم إنا نعترف أننا قصرنا في حق آبائنا وأمهاتنا فنسألك اللهم أن توفقنا للبر بهما ماداما على قيد الحياة، وإن كان أحدهما مات أو كلاهما فأسأل الله عز وجل أن يرضيهما علينا يارب العالمين، اللهم أرهما منا مايسرهما ولا تريهما منا مايسوؤهما يارب العالمين، اللهم اجعلنا بارين بآبائنا، واجعل أبناءنا بارين بنا عند الكبر يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، اللهم لا تصرفنا إلا بذنب مغفور وعيب مستور وتجارة لن تبور، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، اللهم ارحم الشيخ زايد والشيخ راشد والشيخ مكتوم وبارك اللهم في ولي أمرنا ونائبه وسائر حكام الإمارات، ودلهم على الخير وعلى فعل الخير وعلى خدمة الإسلام والمسلمين وسائر حكام المسلمين يارب العالمين، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون